المادة    
من أعظم المميزات لعقيدة أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ أنها عقيدة فطرية ميسرة وواضحة يفهمها ويعقلها كل إنسان إذا ترك الجدال والتقليد.
يقول صاحب الجوهرة تبعاً لما سبق:
والفعل في التأثير ليس إلا             للواحد القهار جل وعلا
فمن يقول بالطبع أو بالعلة            فذاك كفر عند أهل الملة
ومن يقل بالقوة المودعة            فذاك بدعيٌ فلا تلفت
أي: لو أن الإِنسَان قَالَ: إن هذه الأشياء تفعل بطبعها أو أنها علة بذاتها فهو كفر مخرج من الملة، وكذلك من قَالَ: إن العباد يفعلون الأفعال بقوة أودعها فيهم، فالنَّار مثلاً تحرق لأن الله أودع فيها الإحراق وجعل الإحراق من خصائصها فهذا الكلام بدعي، فالذي يحرق هو الله، والنَّار ليس لها أي تأثير. فهذا التقليد والجمود المنافي للعقل والفطرة هو الذي أضل عوام الْمُسْلِمِينَ، أما إذا بقي الإِنسَان عَلَى فطرته فإنه لا يختار إلا منهج وعقيدة السلف الصالح لأنها واضحة.
فعندما يسمع العامة قوله تعالى: ((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)) [التكوير:29] يقولون: إن الله يقول: (تريد يا عبدي وأنا أريد ولا يكون إلا ما أريد) نسمع هذه من آبائنا، والله لم يقل هذه المقالة لكنها حق في ذاتها. فالفطرة موجودة لكنهم عبروا عنها بكلمة غير صحيحة عندما نسبوها إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن الله تَعَالَى يقول:((وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)) فنقول: إن مشيئة العبد هي بعد مشيئة الله، فإن شاء العبد الخير وأراده وأحبه وفعله فكل ذلك بمشيئة الله سبحانه، وإذا شاء الشر واختاره وفعله وأراده فبمشيئة الله فعل ذلك، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحاسب العبد لأنه هو الذي فعل واختار وأراد، فلو أن رجلاً مجنوناً ترك فريضة من الفرائض أو فعل محرما من المحرمات لم يحاسب، بل يحاسب الإِنسَان العاقل العالم؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حكيم.
إذاً: فهذا يحاسب لأنه فعل ذلك بإرادته واختياره، أما المجنون فمناط التكليف والإرادة مفقود عنده فلا يحاسبه الله تَعَالَى عَلَى ذلك، لكن عند هَؤُلاءِ لا فرق بين الفعلين: بين فعل المجنون وبين فعل العاقل، وإنما سبب ذلك كما أشرنا هو الجهل والتقليد الذي عمَّ بلاد الْمُسْلِمِينَ، حتى أصبحت كلياتهم العلمية وجامعاتهم ومعاهدهم تدرس هذه العقائد المنافية للفطرة وهم لا يشعرون، ولذا يجب علينا وجوباً أن ندعو ونسأل الله أن يرد الْمُسْلِمِينَ إِلَى عقيدتهم عقيدة أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، لئلا يموت أحدهم وهو عَلَى ضلال في القدر وفي معرفة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.